شهر الرحمة، الشهر الفضيل، الشهر الكريم وشهر الصيام... ونُعوت أخرى نطلقها على شهر رمضان.. وجميعها تلامس الجانب الروحي للناس.. إلا أن ظاهرة جديدة في الجانب العملي من حياتنا تتجلى في هذه الأيام ورأيناها في رمضانات الماضية.. وهي ظاهرة الكسل والتثاقل عن العمل في الإدارات العامة، فحركة العمل في عدد من إداراتنا تكاد تتوقف خلال هذا الشهر.. ما يؤثر بشكل واضح على إ...نتاجيتها ويؤدي لتراكم كم هائل من الأعمال بعد انقضاء الشهر.. فلماذا تحول شهر رمضان من شهر للعبادة إلى مُعطل لحركة العمل؟
فهل شهر رمضان.. شهر العمل أم الكسل؟
هل شهر رمضان شهر عبادة فقط؟..هل هو شهر تراخي وخمول وتقلب مزاج؟ أم هو شهر عمل وجد واجتهاد بالإضافة إلى العبادة؟
لنرى بعض الأحداث التي حدثت في هذا الشهر الفضيل:
-1 نزل القرآن الكريم
-2 عقد الرسول بين المهاجرين والأنصار عقد الأخوة
-3 أسلم وفد ثقيف في رمضان من التاسعة للهجرة
-4 انتصر المسلمون في غزوة بدر الكبرى 17 رمضان سنة 2هجرية.
-5 فتح مكة في 20 رمضان سنة 8 هجرية.
-6 معركة عين جالوت في 24 رمضان 658 هجرية وفيها انتصر المسلمون على المغول
-7 فتح عمورية 6 رمضان سنة 223 هجرية. بعد أن استجاب الخليفة المعتصم للصرخة المشهورة (وامعتصماه)
-8 استعادة مدينة حارم من الصليبيين على يد نور الدين زنكي
-9 فتح بعلبك على يد صلاح الدين الأيوبي
إن هذا الشهر الفضيل شهر عمل وإنتاج... فكما نرى: انجازات حربية وانجازات دعوية (إسلام ثقيف)، وانجازات اجتماعية (المؤاخاة) وانجازات فكرية (نزول القرآن)..
فكيف يجرؤ بعد كل هذا أي مسلم أن يجعل رمضان عذرا لكسله، أو لتراخيه في العمل، أو لعصبيته في الشارع ومع الناس؟... سبحان الله، ترى الناس في الشوارع وكأنهم ميّتون من التعب والإرهاق وكأنهم عانوا بصيامهم ما لم يعانيه الأولون ولا الآخرون!....
حتى لا تُكتَب من الغافلين
في رمضان
جاء في سنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين”.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة في قيام رمضان بالليل أكثر من غيره، وقد صلى معه حذيفة ليلة في رمضان قال: فقرأ بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران لا يمر بآية تخويف إلا وقف وسأل، فما صلى الركعتين حتى جاءه بلال فأذنه بالصلاة. أخرجه الإمام أحمد والنسائي..
و كان عمر قد أمر أُبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما بالناس في شهر رمضان، فكان القارئ يقرأ بالمائتين في ركعة حتى كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام، وما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر. وفي رواية: أنهم كانوا يربطون الحبال بين السواري ثم يتعلقون بها. وروي أن عمر جمع ثلاثة قراء فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ بالناس ثلاثين وأوسطهم بخمس وعشرين و أبطأهم بعشرين.
إن للقيام روحاً كما أن للصيام روحاً وروح القيام هي الخشوع والخضوع، فقد كان صلى الله عليه وسلم في صلاة القيام: لا يمر بآية تخويف إلا وقف وتعوّذ، ولا بآية رحمة إلا وقف وسأل”. صححه الألباني.
ويسن أن يقوم المؤمن مع إمامه حتى ينصرف الإمام، فقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: “من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة”. ولا يكتفي بذلك بل يقوم حتى بعد فراغه من القيام مع الجماعة، وذلك لفضل القيام قال عليه الصلاة والسلام: “عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى ربكم، ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد”.
وهكذا يستفيد المؤمن من رمضان في تقويم قيامه، وتصويبه وفق السنة، مع محاولة تدريب النفس على الخشوع والخضوع، وحب الوقوف بين يدي المولى سبحانه.. إنها فرصة لا تقدر بثمن.